كلمة المديرة العامة لمنظمة المرأة العربية في الطاولة المستديرة

بعنوان: " الكوتا النسائية : نحو تعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية في لبنان"

31/07/2019

تشكل مسألة مشاركة المرأة اللبنانية في الحياة السياسية مفارقة غريبة.

فكما يقول البعض، لا شيء يمنعها من ذلك من جهة، لاسيما وأن القانون يقر ، وذلك منذ العام 1953، بحقوق المرأة السياسية ومنها الحق في المشاركة بالانتخابات العامة اقتراعاً وترشيحاً. لكن الواقع يشير إلى أن نسبة مشاركة المرأة في الحياة السياسية في لبنان هي متدنية جداً وهي من أضعف المعدلات بالمقارنة مع مشاركة النساء بالحياة السياسية في الدول العربية الاخرى.

ما الذي يمنع ارتفاع معدلات مشاركة النساء اللبنانيات في الحياة السياسية إذا ؟

المعوقات كثيرة ومتعددة المجالات وسنقاربها في الفقرات الآتية من خلال عنوان أكثر حيادية وهو" التحديات التي تواجهها المرأة في لبنان في المجالات الاجتماعية والقانونية والسياسية".

1-التحديات الاجتماعية:

تواجه المرأة في لبنان تحديات كثيرة، يمكن ادراج بعضها تحت عنوان"التحديات الاجتماعية"،  لكن في الواقع هي ثقافية واقتصادية ذات مفعول اجتماعي.

فمن جهة، مازالت تسود في العديد من الأوساط الاجتماعية صورة نمطية عن المرأة تعود بها إلى أدوار تقليدية منزلية صرف وتعتبر خروجها من المنزل للعمل، إما استثناء إما حاجة تستجد في حال كان الزوج غير قادر على كفاية أسرته. وهناك العديد من الأزواج يرددون حتى الآن بأنهم ليسوا بحاجة لكي تعمل زوجتهم. ويذهب البعض إلى التأكيد بأنهم لا يمانعون بأن تعمل الزوجة لكنهم ليسوا بحاجة لمداخيلها أو أنهم يشددون  على أن تبقى مواردها خاصة بها ولا تدخل باب الأسرة.

في الواقع، يتوزع هذا الاتجاه المحافظ بين الأوساط الريفية حيث هو سائد إلى الأوساط المدينية حيث ينتشر بشكل متفاوت في الأوساط الغنية أو الميسورة من جهة والأوساط الفقيرة من جهة أخرى. تبقى النزعة إلى تقبل عمل المرأة سمة  الفئات المتوسطة الحال. تتقاطع مع المستوى التعليمي للأزواج والنساء أنفسهن. فيترافق تقبل عمل المرأة و إقبالها على العمل مع ارتفاع المستوى التعليمي لكليهما، للزوج والزوجة. والملفت أن الاتجاه إلى تقبل عمل المرأة خارج المنزل أو حتى المطالبة به ودعمه يزداد كلما تدنت الشطور العمرية أى أن الأجيال الشابة أكثر انحيازاً  بصورة عامة إلى عمل المرأة، تقبلا وإقبالا.

إذا عدنا إلى الأرقام والنسب ، وجدنا أن نسبة عمل النساء في لبنان لا تتجاوز الـ 25% وهي من النسب المتدنية قياساً بنسب النساء العاملات في دول عربية أخرى. لكن القياس الحسابي والاحصائي لعمل النساء يفتح سجالاً حول احتساب عمل المرأة عموماً. وهناك فئتان من النساء غير محسوبتان في الانتاج القومي: 1- العمل المنزلي 2- العمل في القطاع الهامشي.

على أية حال، نحن نعتبر أن الانخراط في العمل المنتج هو لازمة لابد من التوقف عندها لمعرفة مدى نشاط النساء ومدى التزامهن بالقطاع الاقتصادي الذي هو شريان حيوي في الحياةالسياسية، أكان ذلك لجهة المصالح التي تتداخل في هذا القطاع أو لجهة المعارف والمهارات التي يكتسبها العاملون في المجال الاقتصادي. كذلك لابد من النظر في مشاركة النساء في الحياة الاقتصادية للوقوف على مكاناتهن المادية وهى من مقدمات الانخراط في الحياة السياسية.

إلى جانب تحدي العمل الاقتصادي، تواجه النساء في لبنان مقاومة ثقافية صامتة من جانبين:

1)الثقافة التقليدية السائدة في العديد في الاوساط والتي مازالت تعتبر المجال العام مجالاً للرجل فقط ولا تمنح ثقتها للنساء ، 

2)علاقات السلطة التي  تعيش فيها المرأة والتي تضعها في مواجهة شبه دائمة  مع رجال أصحاب مواقع ونفوذ وهم يدافعون عنها ويتشبثون بها ويبحثون عن حجة لثني المرأة عن منافستهم فيحتجوا بأنها امرأة وبالتالي هي غير قادرة.

كذلك في المجال الإعلامي، مازال الاتجاه هو للتركيز على النواحي الجمالية وعلى المفاتن في توزيع الأدوار الإعلامية. وقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تفشي موضة الصور والبوزات وطغيانها على الحديث في عمق الأمور وفي القضايا العامة التي تقلق اللبنانيين. وهذا الموضوع يأخذ حيزاً مهماً من اهتمام السيدات الفاعلات اجتماعياً.

2-التحديات القانونية

لسوء الحظ فإن التحديات القانونية هي متعددة أيضا ، أولها: التمييز في بعض القوانين بحق المرأة.

نذكر منها قانون الجنسية حيث الحق في منح الجنسية محصور بالأب دون الأم، بالزوج دون الزوجة، وبشكل علني (....) للبنانيين من الذكور ،الحق في منح الجنسية لزوجهم واطفالهم...

وتجدر الإشارة إللى أن هناك تقدماً ملحوظاً في السنوات الأخيرة بفعل عمل الحركة اللبنانية لجهة تنزيه النصوص التشريعية من كل أشكال التمييز بحق المرأة. فقد تم ذلك بالفعل في العديد من النصوص والسعي جارٍ للمضي في هذا التنزيه. لكن هذه هي حال التشريعات المدنية، فيما أن مجالات واسعة من حياة المواطنين  ، ومن الجنسين،  تقع في دائرة التشريعات المذهبية، الشرعية منها – بالاستناد إلى الشرع – والروحية – بالاستناد إلى القانون الكنسي .

وفي هذا الإطار، هناك تمييز كبير بحق الزوجة والأم وكذلك بحق المرأة على وجه العموم، هناك تمييز ضد المرأة في الأمور الآتية:

1-في الولاية على الأطفال/القوامة( الرجال قوامون على النساء \ الزوج رأس المرأة كما المسيح هو رأس الكنيسة (عند كل الطوائف والمذاهب)

2-في الحضانة (عند كل الطوائف والمذاهب)

3-في الشراكة الزوجية (عند كل الطوائف والمذاهب)

4-في ممارسة حق الطلاق (عند كل الطوائف والمذاهب)

5-في توزيع الإرث (عند المسلمين)

أمام هذا التفاوت هناك تياران لدى النساء: تيار إصلاحي وتيار راديكالي. كذلك في ميدان القانون هناك حيرة لدى النساء أمام الطائفية في توزيع المقاعد النيابية والوزارية وفي توزيع المناصب الادارية والقضائية والعسكرية والدبلوماسية حصصاً على الطوائف والمذاهب.

فالمحاصصة الطائفية والمذهبية تترافق ومقاربة ذكورية في الغالب حيث أن المقاعد والمناصب تتوزع على الرجال في مختلف الطوائف والمذاهب وقليل من بركة هذه المحاصصة يصل إلى المرأة وبالغالب يقوم الرجال في طائفتها أو مذهبها بتعيينها أو تسميتها في إطار  المحاصصة الطائفية.

لكن الأدبيات السياسية غالباً ما تربط بين الطائفية السياسية والتشريعات الطائفية والمذهبية للأسرة. ففي المبدأ، المرأة اللبنانية غير مستفيدة من الأولى ومتضررة من الثانية. لكن طبيعة النظام السياسي والأنظمة الانتخابية المتلاحقة تجعل من الصعب بل من المستحيل على المرأة أن تتحرر من القيد الطائفي في الحياة السياسية. فالترشيح يجرى على أساس الإنتماء إلى مذهب معين في طائفة معينة. ويتم الانتخاب على هذا الأساس أيضا ًوليس على أساس سياسي أو بالاستناد إلى اعتبارات ايديولوجية – وهذه الاخيرة مرتبطة نسبياً بالطوائف- وبالاستناد إلى برامج انتخابية للقوى السياسية المتصارعة أو للمرشحين والمرشحات.

لماذا لا تشكل الطائفية السياسية عدواً مشتركاً لكل النساء اللبنانيات؟

لماذا لا تتفق النساء في لبنان على المطالبة بإلغاء الطائفية السياسية؟

في الواقع تنقسم الأراء بين النساء حول هذه المسألة  بدلا من أن تتفق.

فالبعض لايرضى أو أنه لا يريدان فتح باب الخروج من دائرة التوزيع الطائفي خوفاً من أن يكون هناك سلوكيات طائفية ومذهبية فيتم تهميشه أكان رجلاً أم إمراة. وبعض آخر يربط إلغاء الطائفية السياسية بإلغاء الخضوع للسلطات الدينية في شوؤن الأسرة. فيأتي بعض آخر  متحمس   للإبقاء على التشريعات الدينية – الشرعية والروحية – للأسرة فيما يريد فقط إلغاء الطائفية السياسية بمعنى التوزيع الطائفي والمذهبي للمقاعد والحصص.

تنقسم النساء حيث هو من المنطقي أن تتفقن.

 على خط آخر ، فإن موقف النساء عامة في مسألة التوزيع الطائفي والمذهبي هو موقف ملتبس لأسباب أخرى. فالنساء تطالبن عموماً باعتماد كوتا نسائية في الانتخابات العامة. فكيف ستطالبن باعتماد كوتا نسائية في الوقت الذي تطالبن فيه بإلغاء الكوتا الطائفية؟؟

من الواضح أن هناك خطر التضارب بالمواقف وبالتالي تضعف حجة النساء في المجالين السياسي والأسري في آن. فالنساء تطالبن بالكوتا النسائية لضمان مشاركتهن الوازنة في الانتخابات العامة وفي نفس الوقت تطالبن بإلغاء الكوتا الطائفية .

فكيف يصح التمثيل اذا كانت الكوتا للمرأة ولا يصح اذا كان لصالح الطوائف والمذاهب؟

موضوع القوانين الخاصة بالأسرة يأخذ النساء إلى أكثر من موقف:

فهناك من هن مع التعديل والتطوير خطوة خطوة ضمن المؤسسات الطائفية والمذهبية ولديهن أمل بتعديلات للتشريعات المذهبية أو على الأقل ظهور اجتهادات بشأن تطبيقها. والبعض الآخر يتجه نحو المطالبة بقوانين وضعية مدنية تكون مظلة لكل اللبنانيين ورافعة لتغزيز المواطنة.

3-التحديات السياسية: 

بدورها تجمع السياسة النساء اللبنانيات في المعاناة وتقسّمهن عندما تأتي سيناريوهات الحلول. فقد بات معروفاً أن النساء في لبنان وجودهن السياسي ضعيف للغاية وأن ازدياد عدد المرشحات في الدورة الأخيرة للانتخابات واعتماد النظام الاتخابي النسبي لم يساعدا في ازدياد يذكر في عدد النساء اللواتي دخلن الندوة البرلمانية. ومعلوم أن التحالف الوطني الذي ضم في عام 2017 الجمعيات الأكثر تمثيلاً لقضايا المرأة وبعض أركان لهيئة الوطنية لشؤون المرأة.- وكان قد على حصل بركة وزير الدولة لشؤون المرأة - لم يتمكن من فرض اعتماد كوتا النسائية في قانون الانتخاب الصادر في العام 2018 وفي الانتخابات التي أُجريت في ذلك العام. فقد تم اعتماد قانون اتنخابي جديد ولكن من دون كوتا نسائية.

كيف للنساء أن تشاركن بقوة في المجال السياسي.؟ 

الأبواب مقفلة لكن هناك مسارب يحرسها رجال وهم يتحكمون بمن يدخل إلى المجال السياسي. وفي الاحزاب السياسيةنفسها، يسيطر الرجال وأحياناً عائلاتهم على السلطة. والاحزاب السياسية في لبنان تعمل على هواها حيث ليس هناك قانون يحدد ميادين عمل الاحزاب ومختلف صلاحيات البيئات المكونة لكل منها وحقوق الافراد المنتسبين. وتبتعد الديمقراطية عن الأداء الداخلي للاحزاب ويحل محّلها شخصيات تأخذ مكانة استثنائية وتلتفّ الجماهير من حولها.

تواجه النساء ثلاث تحديات إضافية في مجال العمل السياسي:

1)الولاء العشائري أو العائلي أو المذهبي هو ذكوري بإمتياز وهو مايزال يسيطر على الكثير من السلوكيات الاجتماعية.

2)القدرة والنفوذ المالي والاقتصادي. فبصورة عامة،  ليس هناك تكافؤ في الفرص بين النساء والرجال في هذا المجال ولا في تراكم الثروة ولا في المناصب الاجتماعية التي تنتج نفوذاً.

3)القوى السياسية غير ممأسسة بشكل ديمقراطي بما فيه الكفاية لتدخل النساء في المنافسة ضمن المؤسسات الحزبية بهدف تبوء مراكز قيادية.

لم أذكر من ضمن التحديات أن النساء قد لا تصوتن للنساء لأن الانتخابات الاخيرة في لبنان قد اظهرت تغييراً في هذا الموضوع ونزعة جديدة ملفتة حيث النساء يقصدن اختيار نساء. لكن من حقنا التساؤل عن استدامة هذا التأييد في ظل التقلبات التي تشهدها السلوكيات الاجتماعية اذا لم تكن مأطرة في مؤسسات ومرتبطة بإطر تشريعية موجّهة؟؟

من أين نبدأ ؟؟

نبدأ باعتماد كوتا في الترشيحات وهي أقل أنواع الكوتا سوءاً لأنها تدفع النساء إلى الانخراط في سياقات سياسية، مع رفاق لهن من الرجال. فتدخل المرأة في المنافسة السياسية وفي أطر مشتركة بين الرجال والنساء. 

ومن الواضح أن النظام النسبي هو الأكثر ملائمة لدخول النساء إلى السياسة ، لأن هكذا نظام يدفع إلى التجمع أو التكتل وتكون الانتخابات جماعية والخيار للائحة أو لتحالف سياسي أو لقوة سياسية عابرة للطوائف.

لكن بيت القصيد  هو حجم الدوائر لأن الكتل الناخبة موزعة توزيعاً مذهبياً وطائفياً.

في موازاة البدء باعتماد الكوتا وانخراط النساء بشكل واسع في الانتخابات،نعرف تماماً أن هناك ثلاثة جبهات مفتوحة أمام النساء: 

1-جبهة تربوية وثقافية 

2-جبهة اقتصادية تمكينيه 

3-جبهة مؤسسية في السياسة، حيث للنساء مصلحة أكيدة في تحول السياسة من صراع بين العشائر على السلطة إلى صراع حول اتجاهات رأي ومصالح متداخلة وبرامج سياسية.

 في هذا السياق يمكن أن تلعب النساء في لبنان دور الرافعة للحياة الوطنية المشتركة  وان تكون الكتلة النسائية خزاناً للمواطنة اللبنانية العابرة للطوائف والمذاهب والتي تعطي دولة لبنان معنى ونكهة خاصة بين دول الجوار وتشّكل منصّة للعمل من أجل الخير العام من قبل أناس متنوعين الجذور والمعتقدات.

لاشك أن هناك الكثير يجب القيام به للنهوض بأوضاع النساء. لكننا نبقى حريصين على أن يفكر الفاعلون الاجتماعيون، رجالا ونساء، تفكيرا استراتيجيا وليس ميكانيكيا محدودا، أي أنهم يعملون على كل الجبهات، التربوية والثقافية والاقتصادية والمؤسسية الحزبية في آن واحد وفي تعاون فيما بينهم.

وفي هذا السياق، يوّفر الإطار الدستوري والقانوني والتشريعي عموماً ، فرصاً للتقدم في مختلف هذه المجالات، تحفيزا وتشجيعا وتأطيرا.

 

أخبار متعلقة