بسم الله الرحمان الرحيم
حضرة السيّدة رئيسة المؤتمر،
حضرات السيّدات والسّادة،
إنه لمن دواعي السعادة أن نلتقي اليوم بدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة لمواصلة الجهد المشترك الذي انطلقنا فيه منذ حوالي ثماني سنوات بانعقاد أوّل قمّة للمرأة العربية سنة 2000، هذه القمّة التي أسست لمرحلة جديدة من العمل العربي المشترك للنهوض بالمرأة العربية ومثلت أداة فاعلة لتعزيز موقع المرأة في مسيرة شعوبنا على طريق التقدّم والمناعة.
ويطيب لي بهذه المناسبة أن أتوجه بالشكر الجزيل والتقدير الكبير إلى صاحبة السموّ الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة المجلس الأعلى لمنظمة المرأة العربية على كرم الضيافة وعلى رعايتها السخية لمؤتمرنا وحرصها على توفير أسباب النجاح لأعماله، كما يطيب لي أن أتوجه بأخلص التحيات إلى كافة أعضاء اللجنة التحضيرية للمؤتمر والإدارة العامة لمنظمة المرأة العربية مكبرة ما بذلوه من جهود قيّمة لإحكام الإعداد للقائنا هذا.
حضرة السيّدة رئيسة المؤتمر،
حضرات السيّدات والسّادة،
إنّ إحداث منظمة المرأة العربية منذ أكثر من خمس سنوات، يمثل علامة بارزة في مسيرة النهوض بالمرأة العربية المعاصرة، ومحطة مهمة على درب تكريس التضامن بين النساء العربيات والارتقاء بمجالات العمل المشترك بينهن إلى مستوى ما تعيشه مجتمعاتنا من تحديات جسيمة ورهانات مصيرية.
ويجسد انعقاد المؤتمر الثاني لمنظمة المرأة العربية حول موضوع : "المرأة في مفهوم وقضايا أمن الإنسان، المنظور العربي والدول"، تأكيدا متجددا لما يحدو المرأة العربية من عزم قويّ على المضي قدما على درب تجسيم تطلعاتها إلى مزيد التضامن والتطوّر والرقي، وفرصة ثمينة لمزيد التعمّق في تدارس مسألة من أهمّ المسائل المطروحة في عالمنا اليوم تتّصل بأمن الإنسان وبقائه.
إن مؤتمرنا ينعقد في ظروف عالمية متقلّبة، وفي مرحلة حضارية دقيقة تتسم بتحولات كبيرة، وتشهد تحديات جسيمة اجتماعية واقتصادية وتكنولوجية؛ مرحلة تواجه فيها الإنسانية أشكالا عديدة من التوترات والنزاعات بما يجعل من نقاشنا اليوم حول موقع المرأة ومكانتها في مفهوم أمن الإنسان أمرا مشروعا ومطلوبا.
إن المرأة تحتل مكانة جوهرية وأساسية في المفهوم الشامل لحقوق الإنسان بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما في ذلك حقوق التضامن المتمثلة أساسا في الحق في التنمية والحق في البيئة السليمة والحق في السلم.
ويقيني أن ما ستتميّز به أعمال مؤتمرنا هذا من مداخلات قيّمة، وتحاليل معمّقة، ونقاش مستفيض، وما ستفضي إليه من توصيات ومقترحات بنّاءة وشاملة، سيساهم في مزيد بلورة المفاهيم المتصلة بهذه القضايا، ويعزّز العمل الجاد للرقي بأوضاع المرأة العربية وفق نظرة استراتيجية متكاملة، وفي إطار مقاربة شاملة تأخذ في الاعتبار حاجيات المرأة كإحدى الأولويات لتحقيق التنمية والديمقراطية والاستقرار والأمن والسلام في العالم.
إن النهوض بالمرأة في مجتمعاتنا، وتمكينها من ممارسة حقوقها وواجباتها، وضمان كرامتها، رهان حضاري استراتيجي، وجزء لا يتجزأ من مفهوم الأمن القومي العربي وأمن الإنسان بمعناه الشامل والمتكامل.
إن الحاجة تدعو في اعتقادنا، إلى أن نعمل جميعا، وبإرادة قويّة وتصميم لا يلين، على قطع مزيد من الخطوات على درب ترسيخ تضامننا الفعلي والتزامنا التام بروح العمل الإيجابي، ترسيخا لما حققناه من إنجازات خلال الفترة الماضية، وسعيا إلى رفع التحديات وبلوغ أرفع مراتب المساواة والشراكة المتكافئة بين المرأة والرجل لبناء المجتمع المتضامن والمتوازن والمتسامح.
إن الجميع يدركون أهميّة المتغيرات الدولية والحضارية في تحقيق صحوة إنسانية تجاه مبادئ حقوق الإنسان حيث تضمن العديد من المواثيق الدولية، شرحا واضحا لمعنى حماية حقوق الإنسان من التهديد والانتهاكات، بما ساعد على اعتماد جملة من المفاهيم والمقاربات، من أهمها مفهوم "أمن الإنسان" ومفهوم "تمكين المرأة" وهي من أبرز المصطلحات المتداولة في مقاربات النهوض بمبادئ حقوق الإنسان الثابتة في شتى المجالات التي تهمّ المرأة.
لكن الجميع يدركون أيضا أن المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية مهما علا شأنها، لا يمكن لها وحدها أن تحقّق الأمن الإنساني بما في ذلك أمن المرأة، إذ يقتضي الأمر، إلى جانب إقرار التشريعات الملائمة، اعتماد برامج عمل متواصلة على صعيد ترسيخ المساواة ونشر ثقافة حقوق الإنسان.
إن المرأة بصفة عامة بما في ذلك المرأة العربية، ما زالت تتعرض بدرجات متفاوتة، إلى جملة من الضغوط الاجتماعية والثقافية التي تحدّ من مشاركتها في الحياة العامة، وتنمية قدرتها ووعيها، وتحقيق ذاتها وضمان أمنها الاجتماعي والاقتصادي.
كما أن معاناة المرأة من العنف تزداد حدّة نتيجة النزاعات حيث يشير تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن المرأة هي أكثر من يعاني من وطأة الاحتلال والحروب، كما هو الحال في فلسطين والعراق والصومال وسائر البلدان التي تتعرّض لنزاعات مسلحة.
ولعله من المفيد أن نفكر اليوم في إحداث "لجنة المرأة العربية للقانون الدولي الإنساني"، في نطاق منظمة المرأة العربية لتكون رافدا للجهود العالمية والإقليمية والوطنية الهادفة للدفاع عن القانون الدولي الإنساني، والحثّ على احترامه، ونشر ثقافته لفائدة المرأة.
حضرة السيّدة رئيسة المؤتمر،
حضرات السيّدات والسّادة،
إنّ المنظور العربي لأمن المرأة ضمن مفهوم الأمن الإنساني، لا يختلف في مرجعياته الأساسية وقيمه السامية، عن المنظور الدولي، فقضايا المرأة واحدة لا تتجزّأ في عالم تقاربت مسافاته وتشابكت أطرافه، إلاّ أنّ ذلك لا يلغي خصوصيات واقع المرأة العربية وتطلعاتها.
فعلى الرغم مما حققته المرأة العربية من تطوّر مهمّ في مختلف أوضاعها، فإن ذلك لا يحجب التحديات التنموية التي ما تزال تواجهها المجتمعات العربية، حيث ترتفع معدلات الأمية في العديد من بلداننا العربية لتتجاوز نسبة انتشارها في صفوف الإناث 40 % .
وما زالت مجتمعاتنا العربية تعاني من فجوة كبيرة بين النساء والرجال في المجال الاقتصادي بالإضافة إلى ارتفاع نسبة وفيات الأمهات عند الولادة في بعض البلدان العربية مما يؤثر على الطفولة والنمو المتوازن للأجيال.
ومن هذا المنطلق فإن القضاء على فتي الأميّة والفقر، وتحقيق المساواة بين الجنسين في مختلف المجالات يمثلان ركنا أساسيا من أركان الأمن الإنساني للمرأة يُعزز مفهوم التنمية الشاملة والمستديمة ويُرسخ أبعاده في المنطقة العربية.
ومهما كانت الصعوبات فإنّي واثقة بأن بلوغ أهدافنا في النهوض بأوضاع المرأة العربية في جميع المستويات يظل أمرا ممكنا بالنظر إلى التجارب العربية الناجحة في تمكين المرأة وحمايتها من التمييز وكل أشكال التهديد التي قد تمسّ أمنها الاجتماعي والاقتصادي.
وتعتبر التجربة التونسية وخاصة بعد ما حققته من مكاسب للمرأة في عهد تحوّل السابع من نوفمبر 1987 من أبرز التجارب المسجلة في هذا المجال، فقد اعتمدت مقاربات تنموية ذات توجه إنساني يقترن فيه البعد الاقتصادي بالبعد الاجتماعي، وركّزت على دعم مكانة المرأة في التنمية بشكل متكامل يتلازم فيه تطوير التشريعات مع اعتماد مقاربة النوع الاجتماعي في التخطيط، وتكريس البعد التضامني، وملاءمة ليات الرعاية والحماية الاجتماعية لحاجيات المرأة والأسرة، بالإضافة إلى العمل على تطوير العقليات باتجاه إرساء ثقافة أسرية ومجتمعية تواكب التشريعات الرائدة التي أقرتها تونس لترسيخ قيم المساواة والشراكة.
حضرة السيّدة رئيسة المؤتمر،
حضرات السيّدات والسّادة،
إنّ الأمن العربي الشامل ينبغي أن يستند إلى مشروع حضاري ثابت الجذور متفتّح الآفاق. فلا مناص من مواصلة الاهتمام بوضع المرأة في مجتمعنا العربي باعتباره المدخل الضروري والشرط الأساسي للبناء الحضاري المتكامل.
وإنّي على يقين بأن مؤتمرنا هذا، بما يتضمنه من مشاركات متميّزة وما سيفضي إليه من نتائج وتوصيات، سيكون خير حافز لنا للمضي قدما على طريق تجسيم مفهوم أمن الإنسان دون أي تمييز بين الجنسين، بما يضمن لمجتمعاتنا العربية مزيدا من التقدّم والمناعة والرّخاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.