كلمة السيدة الفاضلة سوزان مبارك (رئيسة المؤتمر الأول لقمة المرأة العربية)

صاحبات الجلالة والفخامة والسمو
صاحبات المعالي والسعادة رئيسات الوفود العربية
السيد الأستاذ الدكتور أمين عام جامعة الدول العربية
السيدات والسادة

يسعدني في البداية أن أرحب بكم على أرض مصر التي تعتز بعروبتها، مصر التي أعطت المرأة مكانتها منذ فجر التاريخ وعرفت قيمتها منذ مطلع الحضارة، وأشكر لكم استجابتكم الكريمة لحضور هذا المؤتمر غير المسبوق في تاريخنا الحديث الذي بدأ الإعداد له منذ عام تقريبا تعبيرا عن رغبتنا الأكيدة في التلاحم والتفاعل وقدرتنا المستمرة على التواصل والتضامن.

إن هذا المؤتمر الذي يجمعنا اليوم ، ينتسب إلى اللحظة التاريخية الحاسمة التي تعيشها أقطارنا العربية على أكثر من مستوى . انه استجابة قومية إلى تحديات هذه اللحظة، وتجسيد لرغبتنا في تحقيق التضامن العربي الذي هو سبيلنا إلى مواجهة مخاطر الحاضر التي تهدد أمتنا العربية ... كما أنه تعبير عن حلمنا بغد أفضل للمرأة العربية في كل قطر من أقطار الوطن العربي الكبير .. وهو.. أخيرا .. صوتنا الذي نرفعه احتجاجا على الظلم البشع الذي يقع على الشعب الفلسطيني المناضل، صوت قوي يعبر عن غضب نصف سكان العالم العربي - النساء - من الانتهاكات التي ترتكب ضد المرأة والطفل في فلسطين، وهو ما عرض المسيرة السلمية لضربة قوية في الوقت الذي كنا نتطلع فيه لسلام عادل يقوم على أسس حضارية وإنسانية وتعنى بالسلام الشامل الذي تتوازن فيه الحقوق والواجبات، صوت يؤازر الشعوب العربية التي تعاني من عقوبات وحصار بلغ مداه.

إن هذا المؤتمر يعتبر كذلك خطوة جادة نحو تحقيق تطور المرأة العربية حتى تصبح أكثر قدرة على المساهمة الفعالة في تنمية مجتمعاتنا مع إيجاد الآليات المناسبة لتنظيم واستمرار مسيرة التطوير وإننا إذا كنا قد دعونا إلى مؤتمر قمة المرأة العربية فإننا ننظر إلى مفهوم القمة بمعناها الواسع الذي لا يقف عند حدود السلطة الرسمية أو المناصب الحكومية ولكنه يتجاوز ذلك إلى كافة القيادات الفكرية النسائية في عالمنا العربي ورائدات العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعلمي فيه، لأننا ندرك أن لدى أمتنا ذخيرة ضخمة من الكفاءات التي تحتاج إلى التعارف بينها والتنسيق بين أنشطتها، ومن هنا فان قمة المرأة العربية توجه دعوة مفتوحة لكل امرأة عربية تعمل في المنزل أو في الحقل أو المصنع، أو المكتب قادرة على العطاء، راغبة في بذل الجهد وتقديم الخبرة الوطنية ، واعية بمسؤولياتها وواجباتها في المشاركة في تحقيق التنمية .
كل ذلك يفرض نفسه على توجهات مؤتمرنا الذي يستجيب إلى دوافع انعقاده وترتيب أولوياته، وكلي أمل أن ترقى أعماله إلى مصاف الأماني القومية التي تجمعنا في هذه اللحظة التاريخية المؤثرة، وأن تكون بحوث المؤتمر ومناقشاته وتوصياته إنجازا من الإنجازات المضيئة التي تبقى آثارها، سواء من حيث رغبة التقدم، أو عمق الوعي بالمسؤولية أو جسارة صياغة الرؤى الجذرية للمستقبل.
السيدات والسادة:
لا يخفى علينا جميعا أن هذا الجمع النسائي العربي لا ينبع من فراغ ولا يبدأ من الصفر، ولكنه يأتي نتيجة طبيعية لتراكم خبرات المرأة العربية وكفاحها، لقد مضى قرن ونصف قرن تقريبا على بداية مسيرة تحرر المرأة العربية الحديثة منذ أن عقد بالقاهرة أول مؤتمر نسائي قومي في شهر أكتوبر سنة 1938، بدعوة من هدى شعراوي رائدة النهضة النسائية في مصر، ومؤسسة الاتحاد النسائي المصري سنة 1923.
السيدات والسادة :
إن هذا المؤتمر يأتي تتويجا لكل ما سبقه في مسيرة تقدم المراة العربية، وهذا الحشد القومي اليوم يؤذن ببداية مرحلة جديدة في المسيرة الطويلة المليئة بالانتصارات والعقبات ... حققت فيه المرأة العربية مكاسب اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية كبيرة، فحصلت على حقها في التعليم، وأثبتت قدرتها على التفوق في تحصيل أعلى الدرجات العلمية، كما أثبتت قدراتها الإبداعية الخلاقة في مجالات الآداب والفنون، وحصلت على حق العمل، وأكدت حقها في الحصول على الأجر الذي يساوي أجر الرجل في معظم البلدان العربية، وتقلدت في بعض البلدان العربية منصب الوزارة منذ ما يقرب من أربعين عاما، كما تقلدت المناصب القضائية، كما حصلت على حقوقها السياسية كاملة في كثير من الأقطار العربية، وبرزت المرأة العربية كنائبة ذات ثقل في العديد من مجالسنا النيابية منذ الخمسينيات وصاحبة دور فعال من خلال المنظمات الأهلية سواء في العمل الوطني أو في الساحة الدولية.
ويسجل التاريخ دور المرأة العربية في الكفاح الوطني من أجل الاستقلال جنبا إلى جنب مع الرجل، وإذا كانت هناك قيود في أقطار عربية تتصل بتولي المرأة بعض المناصب أو قيامها ببعض الأعمال، وإذا كانت تعاني هنا أو هناك الحرمان من بعض حقوقها، فان من واجبنا في هذه القمة أن نتبنى مطالب المرأة في كل أقطارنا العربية، وندعم حقوقها العادلة في المساواة في كافة المجالات آخذين في عين الاعتبار أمورا ثلاثة وهي:
أولا : أن دور المرأة هو أن تجمع وألا تفرق، وأن تسعى إلى التوفيق، لذلك فان هذااللقاء يركز على القضايا القومية التي تمس المرأة وتخدم مصالح الجميع وتحقق العائدالمنتظر.
ثانيا : إن قضايا المرأة العربية هي قضايا المجتمع، لذلك فان هذا المؤتمر وان كان عنالمرأة إلا أنه ليس من أجلها وحدها وموضوعاته سوف تتطرق بالضرورة إلى قضايا المجتمعالعربي وشواغله واهتماماته.
ثالثا : إن التنمية الشاملة مدلول بشري اجتماعي، ينطلق من الإنسان ويبدأ به، من أجلتعظيم قيمة الحياة، ورفع مستوى المعيشة، وهنا يبرز دور المرأة – باعتبارها حارسةللقيم الثقافية ومربية للأجيال – مؤثرا على كافة الميادين، وبارزا في كلالمراحل.
 
السيدات والسادة:
إن ما نجحت المرأة العربية في تحقيقه في بلداننا، يدفعها إلى التصدي لمشكلات الحاضر التي تعددت بسبب تعقد الحياة المعاصرة، ولم تعد تقبل الجمود أو العزلة، بل تحتم المواجهة الجسورة للتحديات القائمة والتي يمكن أن تحد من حركتها ومن قدرتها على الإنجاز والمشاركة في التنمية العربية المشتركة.
ويمكن حصر هذه التحديات والمشكلات في ثلاث مجموعات أساسية :
أولا : تحديات داخلية ينفرد بها كل قطر عربي، وذلك بسبب الظروف الإقليمية التيتخص كل قطر ، والتي فرضتها مسيرتهالتاريخية النوعية، وذلك أمر جعل بعض المكتسبات تتحقق في هذا القطر العربي أو ذاكولا تتحقق في غيره، أو تحصل المرأة على عدد من حقوقها في بعض الأقطار العربية دونغيرها.
ثانيا : تحديات قومية على مستوى الأمة العربية كلها، ترتبط بالمشكلات المتعددة التييواجهها العرب جميعا. متطلعين إلى تجاوزها بما يفتح آفاق المستقبل الواعد، ونجاحنا في هذه المواجهة يعتمدعلى أساليب تعاملنا مع المشكلات ومدى تعاوننا في التصديلها.
ثالثا : تحديات عالمية جاءت بها العولمة وتدفعنا إلى عصر جديد، له قيم ومفاهيممختلفة تفرضها ثورة المعلوماتوالاتصالات، والطفرة الهائلة التي حدثت في مجالات المعرفة الإنسانية المختلفة، وقدأسهمت المتغيرات المعرفية في تغيير الكثير من الثوابت في حياتنا، وخلقت واقعاعالميا جديدا من الاعتماد المتبادل بين الأمم والشعوب المحبة للسلام العادلوالمؤمنة بمبدأ النوع البشريالخلاق.
 
ويهمني أن أوضح أن أخطر التحديات تنبع من داخلنا ، من داخل المرأة ذاتها ... من داخل المجتمع ذاته ... من أفكار ومخاوف لا أساس لها من الصحة ... من موروثات اجتماعية وأعراف بعيدة كل البعد عن التعاليم الصحيحة والواقع العلمي .

كل هذه المتغيرات تفرض علينا مواجهة التحديات بمفاهيم وأساليب جديدة ، جذرية وغير تقليدية ، كما تحتم علينا الاعتماد المتبادل من منظور قومي يدفع بالمرأة العربية في كل الأقطار على المزيد من الإسهام الوطني والقومي والإنساني ، والخطوة الأولى في الاقتراب من هذا الهدف هو وضع استراتيجية مستقبلية شاملة متعددة المستويات ، قد تكون متباينة الدروب ولكنها متحدة الهدف ، خصوصا بعد أن تهاوت الحواجز التقليدية بين الأمم والشعوب في كوكبنا الأرضي .
وإنني على ثقة بأننا سنكون على مستوى التحديات التي نواجهها وعلى مستوى المسؤولية القومية في صياغة ملامح مشروع جذري للمستقبل .
السيدات والسادة :
أود أن أطرح بعض ما يجول في نفسي من تساؤلات وخواطر .. أثق في أن مؤتمرنا هذا سوف يجيب عليها .
أولا : كيف يمكن أن نعظم قوة التضامن العربي عن طريق تفعيل دور المرأةالعربيةوزيادة عطائها
ثانيا : النظر للمرأة العربية كقوة بشرية هائلة يمكن أن تزيد من قوة الأمةالعربية عنطريق تأهيلهاوتوعيتها وتدريبها، مع توفير المناخ الاجتماعي المناسب للاستفادة من عطائها،وتمكينها من المشاركة في عمليةالتنمية.
ثالثا : تفعيل واستخدام الرصيدالايجابي لحضارتنا وثقافتنا العربية وما تشمله من قيمإنسانية لتحسين صورة المرأة العربية وصورةالعالم العربي في الخارج، مع الارتقاء بمضمون الرسالة الإعلامية العربية.وكيف يمكننا الحفاظ على هويتنا وتأصيل وتعميقارتباط المواطن العربي بجذوره الأصيلة، وتاريخه، وقيمه الروحية مع تشجيع الانفتاحعلى العالم ومتابعة ما يدور فيه ؟
رابعا : كيف نصل إلى تفعيل الآليات التي تهتم بالمرأة وقضاياها .. سواءكانت آلياتحكومية أو غيرحكومية ... إقليمية أو محلية ... من أجل زيادة تضامن المرأة العربية وتفعيل دورهاوعطائها لتصبح ملمة بكل ما هو جديد وحديث ؟
خامسا : ما هو دور الجامعاتومؤسسات ومراكز البحوث والدراسات العلمية معتعددها وانتشارها في العالم العربي لتعمل فيتنسيق على تطوير الواقع الاجتماعي للمرأة من خلال نتائج هذه الدراسات والبحوث، معالتركيز على محو الأمية الأبجدية والعلمية والثقافية والسياسية والصحية والبيئيةللمرأة العربية ؟
سادسا : كيف يمكننا في ظل هذاالمناخ العالمي ... أن نتعامل في مجالات الدعمالاقتصادي للمرأة ؟ وكيف يمكن أن نتحول بهذهالشريحة من متلقية للدعم إلى مشاركة في مسيرة التنمية الاقتصادية؟
 

واني على ثقة بأن مداولاتكم ، سوف تشمل هذه القضايا، وتخرج بتنظيم لفعاليات مستقبلية تعقد على مستوى العالم العربي، تركز على جوانبها المتعددة .
السيدات السادة :
إن هذا المؤتمر هو بداية جديدة لحركة نسائية عربية شاملة تقوم في ظروف جديدة، ومن هنا فان أحد أهدافه الأساسية هو وضع خطة عمل لتنظيم وتنشيط العمل النسائي العربي خلال عام 2001 الذي اختير ليكون عام المرأة العربية.
كما أنه من المهم الخروج من مؤتمرنا هذا ببرنامج عمل قومي للسنوات القادمة آخذين في الاعتبار خصوصية كل قطر والظروف المتميزة لكل دولة والتنوع الذي نعتز به في الشخصية الوطنية لكل شعب من شعوب أمتنا العربية .
إن اجتماعنا الذي يعقد في رحاب جامعة الدول العربية يدعونا كذلك أن نتجه إلى دعم الدور الاجتماعي والثقافي والاقتصادي للجامعة في مجال العمل النسائي العربي، وتنظيم الاستفادة من التجارب الناجحة المنتشرة في أنحاء الوطن العربي، إن تبادل الخبرات وتعدد الآراء سوف يؤديان إلى إثراء العمل العربي والمجتمع العربي.
وأخيرا فان هذا التجمع الفريد يدفعنا إلى تأكيد ضرورة انتظام العمل النسائي العربي ودورية انعقاد اجتماعاتنا لتدارس مشكلات وقضايا المرأة وتكوين قوة عمل تسعى لصالح وطننا العربي نساءا ورجالا وإنشاء كيان مؤسسي يستند إلى الشرعية تحت مظلة جامعة الدول العربية، وآمل أن تدعم حكومات الدول الحاضرة الاقتراح الذي سيقدم في هذا الخصوص.
السيدات والسادة :
في نهاية كلمتي أود أن أعبر عن عمق الشكر لكل من أسهم في انعقاد هذا المؤتمر، وأخص بذلك جامعة الدول العربية، ومؤسسة الحريري ، والمجلس القومي للمرأة، كما أتوجه بالشكر للسيدات قرينات الملوك والرؤساء ولكل من لبى الدعوة للحضور والمشاركة.
إن أرض الكنانة تعتز بوجودكم، وترحب بكم ، وتؤكد لكم من جديد أن مصر الحضارة التاريخ، مصر الأهرام ، مصر المساجد الشامخة والكنائس العريقة، تضم كلها صوتها إليكم في هذا اللقاء التاريخي، وهي ترفع رايات العروبة، مؤمنة بالروابط القوية بيننا، والصلات العميقة التي تجمعنا، واعية لمسؤولياتها القومية ودور المرأة في الوصول بمجتمعنا العربي إلى آفاق أفضل ومستقبل مشرق لأجيالنا وأمتنا العربية.

وفقنا الله ، وسدد خطانا ، وبارك بالنجاح مسعانا ،،،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته