المديرة العامة لمنظمة المرأة العربية في حوار مع هيئة الإذاعة البريطانية حول النساء وكورونا:

لابد من أخذ العبر من هذا الظرف المؤلم لوضع استراتيجية تدعم قدرة النساء على الاستجابة للكوارث

06/04/2020

أجرت هيئة الإذاعة البريطانية حوارا مع الأستاذة الدكتورة  فاديا كيوان المديرة العامة لمنظمة المرأة العربية اليوم الاثنين الموافق 6 ابريل/نيسان 2020 تناول محاور البيان الرسمي الذي أصدرته المنظمة حول جائحة فيروس كورونا وتأثيرها على النساء في المنطقة العربية. وألقت سيادتها الضوء على الآثار الاقتصادية والاجتماعية لهذه الجائحة العالمية على النساء العربيات وبينت الجهود الحالية التي تقوم بها منظمة المرأة العربية في التوعية والتثقيف ولفت الانتباه الى مخاطر الأزمة على النساء،  وأكدت أن المنظمة تعمل على لفت النظر لضرورة مراعاة الأوضاع الخاصة للمرأة عند وضع خطط الاستجابة للأزمة على المستويين الوطني والاقليمي. آملة لأن يتم وضع استراتيجيات عامة تدعم المرأة في كل المجالات وكذا تدعم قدرتها على التكيف والاستجابة لآثار الكوارث بانواعها. 

وفيما يلي نص الحوار:

 

المرأة والأسرة

 

هيئة الإذاعة البريطانية: تحدث بيان منظمة المرأة العربية عن أن أزمة كورونا لها تبعات مجتمعية على النساء من ضمنها مضاعفة الأعباء الملقاة على كاهل المرأة داخل الأسرة وتزايد الضغوط عليها، في هذا الصدد. من منظور منظمة المرأة العربية ، كيف يمكن أن تتعامل المرأة مع هذه الضغوطات أو ما هي الحلول المطروحة لتخفيف العبء عليها في ظل تفشي وباء كورونا؟

الدكتورة فاديا كيوان:

إن البيان الرسمي الذي أصدرته المنظمة مؤخرا بشأن تفشي فيروس كورونا القاتل جاء موجها بشكل رئيسي إلى النساء في العالم العربي وإلى الرأي العام وإلى صناع القرار والمسؤولين، وهو يكشف كيف يلقي هذا الوباء بأعباء وضغوطات كبيرة جدا وغير متوقعة على النساء .

وبداية أود أن أوجه تحية تضامن الى المرأة العربية التي تلعب  دورا كبيرا في تخفيف الأعباء وتخفيف التوتر داخل الأسرة. إن دور المرأة هو الناظم لحياة الأسرة وضابط الايقاع لكل أفرادها، إلا أنه، وللأسف، وفي ظل هذه الأجواء الاستثنائية قد تزيد وتيرة العنف ضد المرأة.

وإننا لذلك نوجه نداء لسائر المسؤولين على  المستويات كافة لأن يكون هناك مزيدا من التركيز على حماية  النساء، لأن المرأة اذا تعرضت للعنف لجسدي ستزداد المشاكل تعقيدا في الأسرة.

ولاشك أن دعم المرأة بالامكانيات سيمكنها من المساهمة  بشكل كبير في حماية الأسرة وفي عودة الأمان والاستقرار لها في هذا الجو الضاغط.

صحة المرأة

كذلك يجب الالتفات إلى صحة النساء لاسيما وأنهن بصورة عامة، وفي غالبية الدول، لا يستفدن  بالخدمات الصحية بالقدر الذي يستفيد منه الرجال ،  وينبغي تسليط الضوء على تعرض النساء في العديد من المواقع  لخطر الاصابة بفيروس كورونا خاصة وأن العديد من النساء  ليس لديهن القدرة على إجراء الفحوصات  للتأكد من إصابتهن من عدمه أو اللجوء إلى العلاج، كما أن العلاج ليس دائما بمتناول النساء.

وتقوم منظمة المرأة العربية  حاليا  بلفت النظر والإرشاد  حول سلوكيات وقائية أفضل من خلال الموقع الالكتروني للمنظمة  الذي يتضمن مواضيع تتصل بالوقاية وكيفية حماية المرأة لنفسها ولأسرتها والتعامل السليم والعلمي مع خطر وباء فيروس كورونا.

 

 

خطة توعية وتثقيف

 

هيئة الإذاعة البريطانية: حتى الآن ستكتفون في هذه المرحلة فقط بتقديم النصح والإرشاد، لن تكون هناك أية مبادرات قادمة لتوعية النساء مثلا؟ 

الدكتورة فاديا كيوان:

إن هذه المرحلة استثنائية وليس بامكاننا أكثر من النصح والارشاد وكذلك لفت النظر، ولكننا نأخذ العبر من هذا الظرف لوضع استراتيجية خاصة بزيادة قدرة النساء على الاستجابة للكوارث ، وسنعمل لدى المسؤولين في كافة الدول العربية الأعضاء بالمنظمة على تبني هذه  الخطة والمساهمة في تنفيذها من أجل زيادة قدرة النساء على المواجهة في ظل الكوارث بما فيه الخير لهن  والمزيد من الصمود والمناعة لمجتمعاتهن .

وحاليا هناك خطة للتوعية تُنفذها المنظمة عبر موقعها الإلكتروني، وكذلك عبر جلسات تعمل المنظمة على بثها بطرق أسهل ما يمكن إلكترونياً كي تكون على تواصل مع مجموعات من النساء الناشطات في أوساطهن في كل الدول العربية، حيث تتواصل المنظمة معهن من أجل الوقوف عند الحاجات الأساسية والطوارئ التي تتعرض لها النساء ، وكذلك للنصح والتوعية بصورة خاصة. 

إن هذه المرحلة هي مرحلة نصح وتوعية وتثقيف، والحقيقة أنه يجب أن يكون هناك جهود للتوعية والتثقيف في الأوقات العادية بشكل يسمح للنساء كما لسائر المواطنين بأن يكونوا على أهبة الاستعداد لمواجهة أي كارثة بشكل سليم يخفف من أضرارها، وهذا يطلق عليه مواجهة الكوارث، وهذه البرامج ينبغي ألا تقتصر على مرحلة وقوع الكارثة بالفعل، بل يجب أن يتم اعتمادها قبل وقوع الكوارث. 

إن الأمم المتحدة لديها برامج خاصة بتعزيز صمود المجتمعات في مواجهة الكوارث الطبيعية منها والاجتماعية، وتعتبر الأوبئة من الكوارث الطبيعية فيما تعتبر الحروب من الكوارث الاجتماعية، وبصورة عامة يجب أن يتم تنفيذ الخطط التي وضعت بعض منها وكالات الأمم المتحدة، والبعض الآخر يجب أن يتم وضعه على المستوى الإقليمي العربي، وأن يتم التعاون على تنفيذه وهو مجموعة من الأنشطة الهادفة إلى التوعية، والتثقيف، والتمكين للنساء بصورة مباشرة. 

 هذه الجهود لا يمكن القيام بها كلها دفعة واحدة،  وتقوم المنظمة في الوقت الراهن بالجزء البسيط منها المتصل بالتوعية بواسطة الوسائل الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، ولا يمكن أن يتم القيام بأكثر من ذلك لسوء الحظ، ولا يمكن القيام بخدمات مباشرة كذلك بسبب الأوضاع المستجدة وواقع الحجر الحجي.

 إن هذه الأجواء هي عبرة لنا لكي نكون أكثر استعداداً ولكي نُمكِّن النساء من أن يكن أكثر استعداداً لمواجهة الكوارث وتخفيف آثارها عليهن وعلى أسرهن وعلى مجتمعن.

ولنأخذ مثالا المجتمع الياباني المعتاد على الهزات الأرضية ، فقد طور استعدادا دائما لدى كل المواطنين للاستجابة للكوارث الطبيعية التي تُشكلها الهزات الأرضية والعواصف والاعاصير ، وبالتالي لدى الشعب الياباني الآن قدرة على الصمود ومن ثم تخفيف الأضرار التي قد تحدث. 

إن خطة الاستجابة للكوارث سيتم اعتمادها على المستوى الإقليمي العربي بالتعاون فيما بين الحكومات العربية ، وبعمل حثيث من منظمة المرأة العربية للتنسيق ولدفع الأمور إلى الأمام، ولكن  اليوم كل ما يمكن أن تقوم به المنظمة هو التوعية، والتثقيف، والنصح من أجل تخفيف الأعباء التي تقع على النساء، وعلى الأسر، وعلى المواطنين بصورة عامة.

 

 

استراتيجية مزدوجة لمواجهة العنف

 

هيئة الإذاعة البريطانية: ماذا عن العنف الأسري حيث هناك تقارير إخبارية بدأت تتحدث عن ازدياد نسبة العنف الأسري ليس فقط في الدول العربية إنما في دول أخري في العالم لاسيما في فترة الحجر الصحي الذي تفرضه بعض الدول العربية؟

الدكتورة فاديا كيوان:

في كل الدول هناك تصاعد للعنف داخل الأسرة وبخاصة ضد النساء، وهناك أرقام تتداولها وسائل الإعلام على المستوى العالمي،  والدول العربية ليست استثناءا بل يحدث فيها  ما يحدث في سواها من باقي الدول. 

ولكن المهم في هذه الظروف أن نتطلع إلى آليات الحماية فأغلبية الدول العربية وضعت  قوانين لحماية المرأة من العنف الأسري وهذا الأمر شكل تقدما في السنوات الأخيرة .

وقد جرت مراجعة  بهذا  الشأن كشفت أن هناك ضعف في إنفاذ القوانين أي أن القوانين توضع ولكن إنفاذها، أي العمل بأحكامها، غالبا مايكون ضعيفا.

وقد حاولنا أن نرصد أسباب هذا وأن نضع الخطط من أجل تعزيز إنفاذ القوانين في سائر الدول العربية وتوقفنا خلال ذلك عند المقاومة الثقافية والسلوكيات الاجتماعية التى تتفلت من التقيد بالقوانين،  

بعبارة أخرى فقد خلصنا إلى ضرورة العمل على خطين :  خط  تعزيز القوانين نفسها ففي بعض الأحيان هناك حاجة إلى تطوير القوانين لأن فيها ثغرات، 

فضلا عن العمل على إنفاذ القوانين،

والخط الثاني هو العمل على تغيير الذهنية السائدة وتغيير السلوكيات الاجتماعية.

ومن هذه الزاوية رأت منظمة المرأة العربية الأهمية الاستراتيجية في العمل على تطوير المفاهيم التربوية التى نلقنها لأطفالنا في المدارس منذ الحياة الأسرية في المرحلة الأولى من الطفولة قبل الدخول إلى المدرسة، ومن ثم المفاهيم النمطية التى يتم تداولها عبر الكتب المدرسية وعبرالعلاقات التى تنشأ فيما بين الطلاب والمعلمين، فهناك إذن ورشة تربوية إعلامية متكاملة يجب أن نعمل عليها على المدى الطويل، أما على المدى القصير هناك بيانات صدرت وستصدر تباعا للفت نظر المسؤولين في الدول العربية وغير العربية إلى ضرورة إعطاء أهمية لموضوع العنف ضد المرأة لكي تقوم الجهات ذات الصلاحية في الدول بواجباتها في هذا المجال وكي لا يبقي هناك عنف بدون عقاب.

ونحن نرجو من القوانين أن تثني الأشخاص عن ارتكاب أعمال العنف ضد النساء أي نريد أن يكون هناك حماية وقائية قبل أن تقع الجرائم ضد المرأة. 

في الظرف الحالي كل مايمكن أن نفعله هو حشد الطاقات من أجل رصد العنف وإدانته ودعوة الجهات المسؤولة في الدول لمعالجته بأسرع مايمكن في هذه الظروف.

 

دعم اللاجئين والنازحين

 

هيئة الإذاعة البريطانية: إن منظمة المرأة العربية كان لها تصريح أيضاً فيما يخص أزمة فيروس كورونا بأنها تُلقي بظلالها على ملايين اللاجئين في الحروب والنزاعات المسلحة وغالبيتهم من النساء والأطفال، في هذا الصدد ما الذي من الممكن أن يُقدم للنساء اللاجئات في ظل ظروف تفشي وباء كورونا لاسيما وأنه ربما قد تكون هناك نساء كثيرات هنَّ العائل للأسرة ؟

الدكتورة فاديا كيوان:

هناك خطر كبير من أن تكون فئات المهجرين قسراً بسبب النزاعات المسلحة والحروب، وكذلك اللاجئين في مخيمات اللجوء من النساء والأطفال قنبلة موقوتة في الدول، ونحن نعرف أنه في وجود وباء يتفشى لا يمكن أن تُعزل المجتمعات عن بعضها، وبمجرد تعرض فئة من القاطنين في دولة ما لتفشي الوباء فإنها تشكل خطراً على المجتمع الوطني بكامله.

في هذه الظروف يجب أولاً لفت النظر على مستوى صانعي القرار لكي تزبد الإمكانات الموضوعة بين أيدي الجهات التي تقوم بتقديم الخدمات المباشرة للمخيمات من خدمات التعقيم إلى خدمات توزيع المعقمات ووسائل الحماية على المواطنين والقاطنين في هذه التجمعات، ويجب أن يترافق ذلك مع خطة للتوعية والتثقيف حول هذه الأمور.

ويمكن لمنظمة مثل منظمة المرأة العربية أن تقوم بدورين وهي تسعى لذلك.  الأول: أن ترفع الصوت للفت نظر المسؤولين على كل المستويات، ولاسيما في الأمم المتحدة، وعلى مستوى جامعة الدول العربية كذلك، من أجل أن يُعطى موضوع اللاجئين والمهجرين قسراً في المخيمات وفي تجمعات النزوح اهتماماً خاصاً من كل هذه الجهات صاحبة الصلاحية، وأن تُضاعف وتُزاد الإمكانات المادية التي توضع بين أيدي فرق الإسعاف وفرق الخدمات الصحية المباشرة بأشكال وأرقام كبيرة جداً لحماية الناس في مخيمات اللجوء في كل الدول العربية، فهذا موضوع مهم جداً ويجب أن يأخذ الأولوية على أجندة المسؤولين الحكوميين.

وربما نرى اجتماعاً إلكترونياً على أعلى المستويات يجمع القيادات في الدول العربية تحت مظلة جامعة الدول العربية وبمبادرة من أمينها العام من أجل أن توضع خطة استجابة سريعة على مستوى الدول العربية كافة وبخاصة في محيط مخيمات وتجمعات النازحين. 

الدور الثاني لمنظمة المرأة العربية : هو التوعية والتثقيف بصدد كيفية الحماية من الوباء، وهذا ما يمكن أن نقوم به في الوقت الحاضر، ونحن لم نتردد في إطلاق عمليات التوعية على المستوى الإلكتروني ومن خلال شبكة العلاقات التي لدينا في الدول العربية الأعضاء في المنظمة.

 

آثار اقتصادية خطيرة على النساء

 

هيئة الإذاعة البريطانية ورد ضمن حملة المنظمة أن هناك مليون و700 ألف وظيفة سيخسرها أصحابها، بينها 700 ألف وظيفة تخسرها النساء العربيات جراء أزمة فيروس كورونا ، وأن هذه الأزمة ستؤثر بشكل كبير علي قطاعي التصنيع والخدمات .. هل تنصحون الحكومات العربية بان تقدم حلول بديله لتلك النساء؟

الدكتورة فاديا كيوان:

إن الكارثة التي حلت بالعالم اليوم  تستوجب أن نضع خطة لما بعد الانتهاء من حصر الوباء ومعالجته ، وهذه الخطة تستوجب التوقف عند التداعيات الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة جدا والتي ستصيب كل المجتمعات ، وكما في كل الدول فإن اقتصاديات الدول العربية ستتأثر كثيرا والقطاعات المنتجة ستتأثر أكثر ، وفي المرحلة المقبلة ستكون النساء وخاصة اللاتي يعولن أسرهن،  هن الأكثر عرضة للبطالة لأننا  نتوقع تسريح العديد من العاملات في كثير من القطاعات بسبب الأزمة الاقتصادية التي ستصيب الاقتصاد العالمي والاقتصاديات الوطنية للدول العربية بشكل متفاوت ، والركود الذي يحدث سيؤدي إلى انكماش في عمل هذه المؤسسات، وبالتالي سيكون هناك تقليص لعدد العاملين بها ، وهذا الأمر سيصيب النساء بشكل مباشر :

أولا : لأن النساء في الغالب يعملن في قطاعات هشه وضعيفة ولا تستفيد من الحماية ومن الخدمات الصحية والاجتماعية 

ثانيا : عندما تبدأ المؤسسات في تسريح العاملين في الغالب ما يقولون نبدأ بالنساء لإن الرجال يعيلون الأسر .. وهذا أمر ظالم للمرأة لأن هناك فئة كبيرة من النساء تعول أسرها لغياب الأب (بسبب الوفاة - عدم العمل - السجن- الطلاق) ، كما أن النساء ، في الأغلبية العظمي من الأسر،  يشاركن أزواجهن في تحمل أعباء المعيشة وهذا الأمر لم يعد خافيًا علي أحد ، فالمرأة تضع كل إمكاناتها في خدمة الأسرة وفي تغطية احتياجاتها .

وسوف تضع منظمة المراة العربية خطة خاصة لتمكين النساء لمساعدة ما أمكن منهن لإطلاق مؤسسات صغيرة الحجم برأس مال صغير وربما من خلال قروض صغيرة من البنوك ، كما سنقدم خطة عمل استشارية للحكومات العربية بالدول الأعضاء لتمكين النساء ، وتعزيز قدراتهن للدخول إلى سوق العمل ...

التحدي الأكبر الآن هو أن نحول اقتصادياتنا بالدول العربية ، والتي هي في الغالب ريعية، إلى اقتصاديات إنتاجية ، ومن خلال هذا التحول تكون المرأة هي الجندي الذي سيساهم في انتقال الاقتصاديات من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج والذي قد يحقق الاكتفاء الذاتي وبالطبع سيكون هناك تحولات كبيرة علي مستوي البنية الاقتصادية، فسيكون هناك تحول أكثر إلى الاقتصاد الصناعي وعودة إلى الزراعة ، ويجب أن نتلقف هذه التحولات ونجد فيها فرصا لنعيد توجيه النساء نحو العمل في قطاعات قد تكون أهملت في المرحلة السابقة ، ولكن قد يكون فيها فرصا جديدة ومتاحة أمام النساء بصفة خاصة.

 

 

أخبار متعلقة